بالجوائز والأصوات اختتمت الدورة 15 من “كرامة.. سينما الإنسان”
الشاهين الاخباري
فاز الفيلم الفلسطيني “الحياة حلوة: رسالة إلى غزّة” لمخرجه محمد الجبالي بجائزة ريشة كرامة لأفضل فيلم وثائقيٍّ طويل. الفيلم السوري/ الفلسطيني “ذاكرتي مليئة بالأشباح” من إخراج الفلسطيني المقيم في سوريا أنس الزواهري فاز بجائزة “أنهار” الشبكة العربية لأفلام حقوق الإنسان لأفضل فيلم حقوقي. وفاز الفيلم الفلسطيني الوثائقي الطويل “حالة عشق.. غسّان أبو ستّة” بجائزة الجمهور. ريشة كرامة لأفضل فيلم روائي قصير ذهبت كما أعلن عضو لجنة التحكيم الممثل صهيب نشوان، للفيلم الإيراني “قبل الجنّة” من إخراج أحمد حيدريان.
عديد الأفلام نالت تنويهًا، أو إشادة، أو تكريمًا خاصًا كما جاء في ختام الدورة 15 “العدالة لِشعوب جنوب العالم” من “كرامة.. سينما الإنسان” التي أقيمت ما بين 5 إلى 13 كانون الأول/ ديسمبر 2024، في المركز الثقافي الملكي وسينما “الرينبو” في العاصمة الأردنية عمّان.
لجنة تحكيم الأفلام الروائية القصيرة والمكونة من صهيب نشوان والسينمائي السوداني طلال عفيفي والسيناريست والمخرج الأميركي ترافيس هودجكينز، نوّهت بقيمة فيلم “صم” للمخرج اللبناني روي عريضة، وبقيمة فيلم “عذر أجمل من ذنب” للمخرج البحريني هاشم شرف. من جهتها وجهت لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية الطويلة إشادة خاصة بالفيلم اللبناني “رحنا وما رحنا” من إخراج لولوَة خوري وماري لويز إيليا. وتكونت لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية الطويلة من الإعلامي والناقد السينمائي الفلسطيني يوسف الشايب، والإعلامي عواد جمعة مدير “الجزيرة 360″، والمخرج المغربي عبد السلام الكيلاعي، والباحثة الإيطالية مارياجوليا غراسيللي.
لجنة تحكيم جائزة “أنهار” لأفضل فيلم حقوقي منحت الفيلم الوثائقيّ الفلسطيني “غزة.. صوت الحياة والموت” للمخرج حسام أبو دان تكريمًا خاصًا كما أعلن الإعلامي أيمن بردويل (من مؤسسي الشبكة والمعمل 612)، مشيدًا بما تضمّنه الفيلم من وَجْدٍ مُلحٍّ نحو حياة أفضل، وبما احتواه من جودةٍ شديدةِ الأثر في المبنى والمعنى.
على كل حال شكّلت أصوات غزّة والأصوات الآتية من غزّة ثيمة حفل الختام الذي لم يحتوِ على أي مظاهر احتفالية كما هو حال الدورة الماضية 2023 “دورة فلسطين”، فإضافة إلى عرض الفيلم نفسه الذي نال تكريمًا خاصًا “غزّة.. صوت الحياة والموت” ضمن فعاليات الختام، فقد تضمّن الحفل كذلك رسالة بالصوت والصورة وجّهها مراسل قناة الجزيرة أنس الشريف إلى جمهور مهرجان “كرامة” والقائمين عليه جاء فيها “من غزّة الصامدة الصابرة مساء الخير يا عمّان.. مساء الخير يا رعاة الكرامة وأفلام حقوق الإنسان.. تحية من غزّة الأبية لكم.. لمهرجان كرامة ولسينما الإنسان.. تحية لجمهوركم.. لضيوفكم.. لكل من يعاني عندما نحن نعاني.. ولكل من وقف إلى جانب الكلمة الحرة والصحافة الملتزمة بقضايا شعوبها..”.
الشريف ختم رسالته قائلًا “غزّة تبلغكم السلام وتؤكّد لكم أيها الأحبة في كرامة أن تحيّتكم وصلت، وأنها تدعوكم جميعكم لتمرّوا، بعد انتهاء الكابوس وانتفاض الحياة، فوق سجّادتها الحمراء المعمّدة بالدم والفن والعطاء. وشكرًا لكم”، بما يبدو أنه إشارةٌ إلى النافذة التي فتحها “كرامة الأردن” في هذه الدورة على “كرامة فلسطين: مهرجان السجادة الحمراء لأفلام حقوق الإنسان/ غزة”.
يوم الختام تضمّن، إلى ذلك، عرض الفيلم الوثائقي القصير “قلوب صغيرة” للمخرجة المصرية مروة الشرقاوي، كما تضمّن رسالة صوتية قادمة من غزة لِمهندس الصوت محمد ياغي، ورسالة ثالثة آتية من غزّة لمخرج فيلم “صوت الحياة والموت” حسام أبو دان.
عواد جمعة مدير “الجزيرة 360” روى لجمهور حفل التكريم الذي ملأ المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي، قصة فيلم “غزّة.. صوت الحياة والموت” وكيف تبلورت لديه فكرة إنتاجه، قائلًا إنه وعندما كان ينتج في غزّة فيلم “يوميات مقاتل”، وكان ذلك قبيل طوفان الأقصى بقليل، قال له مهندس الصوت محمد ياغي إنه رصد خلال عمله صوت الحياة، تمامًا كما رصد صوت الموت، وحين استوضح منه جمعة ماذا يقصد بذلك، أخبره أنه حضر مرّة لحظة ولادة في مستشفى ووثّقها بجهاز الصوت الخاص به، كما كان شاهدًا غير مرّة على لحظات صعود أرواح مصابين، وسجّل نزعات النفوس في اللحظات الأخيرة قبل رحيلها، وبالتالي فإنه وثّق صوت الموت وصوت الحياة، فوعده جمعة أن يعود إلى غزّة وينتج فيلمًا حول هذا الموضوع، فجاء الطوفان وأُنتج الفيلم عن بعد. منتجة الفيلم شذى سلهب قدمت، بدورها، مداخلة قبل عرض الفيلم قالت فيها: “شكرًا لمهرجان كرامة تنظيمًا وإدارة على هذه الثيمة المميزة “العدالة لشعوب جنوب العالم”. نحن حقًا كشعوب في هذه المنطقة نستحق العدالة وسنبقى نقاتل لأجلها. سلهب أكدت في كلمتها لجمهور الختام على ضرورة التمسّك بسرديتنا وإيصالها إلى العالم، رائية أن السينما المقاومة هي خير وسيلة لإيصال هذه السردية، واصفة الفيلم بأنه “أيقونة سينمائية حوّلت الصوت إلى شاهد وشهيد في ظل هذه المحرقة المتواصلة”. سلهب استذكرت الصحفية الشهيدة إيمان الشنطي التي استشهدت هي وأسرتها يوم الأربعاء 11 كانون الأول/ ديسمبر 2024، خاتمة بالقول: “إن السينما فعل مقاوم، هذا ما كانت تقوله لي صديقتي إيمان الشنطي اللي دايما كانت تحكيلي شغلكم جبّار، انتو صوتنا بهالإبادة، خسرتُ إيمان امبارح، بقصف إسرائيلي استهدف بيتها وزوجها وأولادها، استشهدت إيمان بعد ١٤ شهرًا من الصمود والرباط في شمال غزّة.. الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى”.
بحنين يوجع القلب يستذكر محمد ياغي في فيلم “غزّة.. صوت الحياة وصوت الموت” أصوات غزّة قبل الحرب: صوت أبو أحمد بائع الكعك.. صوت العصافير.. صوت خطوات الناس فوق رمل الكورنيش.. صوت الأطفال وهم ذاهبين إلى المدارس.. صوت الفرح.. صوت المساء.. أصوات رضا الأمهات.. صوت الحياة.. ياغي يرصد في (44 دقيقة مدة الفيلم) أصوات كل شيء وكل نأمة وهمهمةٍ ونفسٍ، حتى أنه يرصد صوت الصمت، ويفتح مخرج الفيلم حسام أبو دان داخل مشاهد الفيلم نوافذ لأصوات أناس من غزّة ينقلون عبرها معاناتهم؛ طارق الشوّا على سبيل المثال يصف بؤس الإقامة في خيمة، وكيف أن كل صوت يصدر من خيمة يصل إلى باقي الخيام. زينة أبو شعبان تصف، بدورها، لحظة سماعهم صوت القذيفة ثم أصوات الناس تصرخ خليل أصيب.. خليل أصيب.. وخليل هو آخر عنقود بيتهم، مصدّر الفرح اليومي، أيقونة الأيام.. ثم تواصل وصف كل صوت بعد أن خرجت هي وأمها وشقيقاتها ليتأكدن مما يسمعن.. ثم صوت سقوط أمها مغشيًا عليها عندما وجدت خليل مضرجًا بدمائه وإصابته بليغة وقدميه مبتورتيْن.. صوت أنينه الواهن.. صوت الجرح النازف.. يقول ياغي إن صوت القصف يعني تغيرًا نهائيًا في حياة كثير من الناس.. يتبعه صوت سيارات الإسعاف: بصيص أمل.. أما معاينة بيت مقصود أو عمارة مستهدفة فتتبعه موجة مرعبة من الأصوات، بما في ذلك صوت سقوط حجارة البنيان وأركان الوجود.
من لقطات يوم الختام اللافتة هتاف السينمائي السوري محمد ملص “عاش الشعب السوري وعاشت كل شعوب العالم” عندما تسلّم جائزة أفضل فيلم حقوقي نيابة عن مخرج الفيلم أنس زواهري الذي تعذّر حضوره. وقال ملص: “ما بعرف شو كان أنس رح يحكي لحظة استلامه الجائزة، بس أكيد ما رح يزعل إذا قلت: عاش الشعب السوري.. عاشت كل شعوب العالم”.
المخرجة سوسن دروزة مدير كرامة أكدت في كلمتها الختامية أن شعار هذه الدورة لم يأتِ من عبثٍ أو فراغ، فـ”العدالة لشعوب جنوب الأرض” أصبح مطلبًا ملحًّا في ظل ما يعانيه الكوكب من استقطاب ومن تغوّل النزعة الاستعمارية عند كثير من دول الشمال. دروزة أشارت إلى النوافذ التي فتحها “كرامة” في الدورة 15، على “كرامة فلسطين” و”كرامة بيروت” و”كرامة اليمن”، وأعادت التأكيد على أن السينما فعل مقاوم عندما نحسن توجيه ضفافها، وحين تنحاز إلى الشعوب وتسلّط الضوء على قضاياهم وحقوقهم وتوقهم للحرية والكرامة والعدالة. دروزة أشادت، إلى ذلك، بالمشاركة الأردنية في الدورة من خلال أفلام قصيرة روائية ووثائقية وتحريكية، رائية أن هذه المشاركة قدمت لنا طاقات إبداعية مبشّرة ستكون لها بصمتها في مقبل الأيام.
من جهته طالب المخرج إيهاب الخطيب المدير الفني لكرامة الإنصات للأصوات القادمة من غزّة، فهي تحتاج إلى من ينصت إليها، ويتفاعل معها، مؤكدًا أن “كرامة” سيبقى صوت “سينما الإنسان” وممثّلها ورافع شعارها.
وخلال ثمانية أيام متواصلة عرضت الدورة 15 من “كرامة لأفلام حقوق الإنسان” زهاء 90 فيلمًا وثائقيًا وروائيًا طويلًا وقصيرًا (كثيرٌ منها بحضور صانعيها)، إضافة إلى حصّة تحريكية لافتة، وفتحت نوافذ، وعقدت شراكات، وأتاحت مساحات صحية وحيوية للنقاشات وتبادل الأفكار. وخلال أيامها انعقد الاجتماع السنوي للشبكة العربية لأفلام حقوق الإنسان مراجعًا عشرة أعوام من مسيرة “أنهار”، كما أقيمت فعالية “لازمنا اجتماع” المخصصة للإعلام ومواضيعه ومستجداته وتطلعاته وحقوق العاملين فيه، حيث حملت ندوة هذا العام عنوان: “الصحافة بعيون جديدة، عصر الأخبار الحديث”. “خارج الإطار” عنوان محاضرة ألقاها المنتج والباحث السينمائي السوري أحمد الحاج.